مقدمة

لا شك أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرا على شريحة مجتمعية معينة بل أصبح في متناول الجميع وقد تسلل فعليا للعديد من مجالات حياتنا اليومية. المدرسة بدورها لم تسلم من هذا الغزو التكنولوجي السريع الذي بدأ في خلق طفرة نوعية مهمة في سلوكيات كافة المتدخلين في العملية التعليمية-التعلمية، وفي طريقة تعاملهم مع التكنولوجيات الحديثة، لدرجة ازداد معها التخوف من حلول الذكاء الاصطناعي محل المعلم والبرامج الرقمية محل المقررات الحالية. ماذا يقصد إذن بالذكاء الاصطناعي؟ وكيف أصبح يؤثر على التعليم؟

مفهوم الذكاء الاصطناعي؟

صاغ عالم الحاسوب جون مكارثي هذا المصطلح بالأساس في عام 1956  وعرَّفه بنفسه بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”، ويعرّف أندرياس كابلان Andreas Kaplan ومايكل هاينلين Michael Haenlein  الذكاء الاصطناعي بأنه “قدرة نظام معين على تحليل بيانات خارجية واستنباط قواعد معرفية جديدة منها، و تكييف هذه القواعد واستخدامها لتحقيق أهداف ومهام جديدة.

فالذكاء الإصطناعي (Artificial intelligence) هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، ومن أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاسنتناج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.” وفي تعريف آخر لكل من أندرياس كابلان و وما يكل هاينيلين فالذكاء الاصطناعي هو “قدرة نظام معين على تحليل بيانات خارجية واستنباط قواعد معرفية جديدة منها، وتكييف هذه القواعد واستخدامها لتحقيق أهداف ومهام جديدة.”

إن الذكاء الاصطناعي باعتباره أحد فروع علوم الحاسوب، هو علم حديث يهتم بالبحث عن أساليب متطورة للقيام بأعمال واستناجات تشابه -ولو في حدود ضيقة- تلك الأسباب التي تنسب لذكاء الإنسان.

الفرق بين نظام الأتمتة « Automation » والذكاء الاصطناعي   « AI »

قبل البدء في توضيح مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على مجال التعليم لا بد من التمييز بين مصطلحين أساسيين وهما:

الأتمتة وهي نظام يعتمد على القواعد التي تحددها البرمجة، فالآلة هنا تتبع المتسلسلات المنطقية المحددة سلفا وهو ما يعني كون الرمز A يفضي منطقيا إلى الرمز B وهكذا. أما الذكاء الاصطناعي فهو بمثابة تعليم الآلة لتستنتج بنفسها، وتدرك ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله.  فالتشفير أو الترميز هنا لا يكون صريحًا حيث يسمح للآلة بقدر معين من المناورة. (خديجة لطفي،2019)

 

خصائص الذكاء الاصطناعي

للذكاء الإصطناعي عدة خصائص نذكر أهمها فيما يلي:

  • القدرة على التفكير والإدراك.
  • استخدام الذكاء في حل المشاكل المعروضة مع غياب الملومة الكاملة.
  • القدرة على التعلم والفهم من التجارب السابقة.
  • القدرة على التعامل مع المواقف والمشاكل المعروضة في ظل غياب المعلومة.
  • القدرة على التصور والإبداع في فهم الأمور المرئية وإدراكها.
  • القدرة على التعامل مع الحالات الصعبة والمعقدة.
  • القدرة على استخدام التجربة والخطأ في استكشاف الأمور المختلفة.
  • القدرة على اكتساب المعرفة وتطبيقها.

أنواع الذكاء الاصطناعي

يُوجد عديدٌ من التَّقسيمات للذكاء الاصطناعي، فيرى (إبراهيم محمد حسن عجام، 2018) أن أنواع الذكاء الاصطناعي تنقسم إلى:

  1. نُظُم الخبرة: وهي برامج حاسوبية، ولها نظام معلومات مُعتَمد، وإن الهدف الأساسي هو مساعدة الإنسان في عمليات التفكير، كما أن نُظُم الخبرة تُستعمل لصُنع القرارات؛ لتُحقِّق أهداف المستخدم (إبراهيم محمد حسن عجام، 2018، ص 92).
  2. الشبكات العصبيَّة: تُشبه طريقة عمل الدماغ البشري نظام الأعصاب لدى الإنسان، وتُزوِّدنا الحاسبات العادية بمشاريع كثيرة عن طريق إجابات الأسئلة (إبراهيم محمد حسن عجام، 2018، ص 92).
  3. الخوارزميات الجينية: هي مجموعة من التعليمات لحل مشكلة ما، وتُشبه الخوارزميات العمليات البيولوجية، وهي طُرُق تُساعد في حل المسائل الخاصَّة، وتُستخدم في التطبيقات الرياضية لإنتاج أفضل حلول للمشكلة، واستُخدمت في مختلف العلوم والتقنيات، ويمكن تقييم حلولها بإمكانيات عديدة أسرع من الإنسان (إبراهيم محمد حسن عجام، 2018، ص 92).
  4. الوكلاء الأذكياء: وهو نظام خبرة مُمَركَز داخل نُظُم مُعتمدة على الحاسب؛ ليجعل الحاسب في مستوى ذكاء أعلى، مثل تحذير المستخدمين عند حدوث أمر ضروري، وهناك تطبيقات مختلفة منها تُعين المستخدم على إنشاء الملفات، مثل برامج البريد الإلكتروني، ومايكروسوفت (إبراهيم محمد حسن عجام، 2018، ص 93).

ويرى (شادي عبد الوهاب وآخرون، 2018) أنه يُمكن أن تُقسَّم أنواع الذَّكاء الصناعي إلى:

  1. الذَّكاء الاصطناعي الضَّيِّق: أسهل أشكال الذَّكاء الاصطناعي، وتصرُّفه ردُّ فعلٍ على موقف ما، وله أجواء معينة خاصة به للعمل، مثل روبوت ديب بلو، الذي قام بهزيمة بطل الشطرنج العالمي جاري كاسبارو (شادي عبد الوهاب وآخرون، 2018، ص 2).
  2. الذَّكاء الاصطناعي القوي: لديه القُدرة على أن يتَّخذ قرارات بناءً على جمعه كثيرًا من المعلومات، مثل السيارات ذاتية القيادة (شادي عبد الوهاب وآخرون، 2018، ص 2).
  3. الذَّكاء الاصطناعي الخارق: نماذج تكون تحت التجربة، وبه نوعان، الأوَّل يسعى في فهم الأفكار البشرية، كما أن لديه القُدرة على التفاعل الاجتماعي بشكل محدود، والثاني: لديه القُدرة على التنبُّؤ بمشاعر الآخرين، وهم جيل عالٍ في الذَّكاء، ويستطيع أن يتصدَّى للهجمات الإلكترونية، ويمكن استخدامه في الحروب، وفي مجال الطب (شادي عبد الوهاب وآخرون، 2018، ص 2).

وهناك رأيٌ تنبَّأ بكثرة الإنفاق على مجال الذَّكاء الاصطناعي سنة 2030، كما استُخدِم الذَّكاء الاصطناعي في الحروب التي دارت على الأبعاد العالمية، وقد استُخدِمَ في الإرهاب من قِبَل (داعش). وعلى الرغم من ذلك يُمكن إعادة برمجة الذَّكاء الاصطناعي، وجعله يهدف لخدمة المخترق، مما يساعد على حدوث أضرار جسيمة، ويمكن استخدامه في معرفة عديد من المعلومات الاجتماعية والسياسية عن دولة معينة، ويمكنه حاليًا التنبُّؤ بالكوارث الطبيعية. ولا يستطيع الذَّكاء الاصطناعي أن يميز بين الأفراد المدنيين والعسكريين في حرب بعينها، كما يجب على الأنظمة التسليحية أن تكون قادرة على إلغاء الهجوم الإلكتروني الناتج عن الذَّكاء الاصطناعي، وهو أمر في غاية الصعوبة، وأصبح الذَّكاء الاصطناعي تكنولوجيا ناشئة تساعد في التغلب على التحديات العالمية. ويمكن توظيف تعلُّم الآلة لتحديد الأمراض بشكل أوضح، وفي مُنتهى الدقة، ووصف الأدوية والعلاجات بكل عناية، ولكن هناك تحفُّظ من قِبَل الأطبَّاء، على الرغم من أن هناك تقنيات تستطيع التنبُّؤ بالأفراد الذين لديهم استعداد للأمراض الخطيرة، مثل السرطان. وباتِّباع تكنولوجيا الذَّكاء الاصطناعي ستتفاوت الدخول بين الأفراد؛ لأنه سيزداد الطلب على العمالة القادرة على التعامُل بالتكنولوجيا، فيُساهم الروبوت في عمل مهام عديدة منها، مما يُؤدِّي إلى اختفائها بين البشر، مثل (المهندسين المعماريين، والأطبَّاء)، وقد يُؤثِّر ذلك على استقرارهم، وبالتالي تتأثَّر الإنتاجية، وتتفاوت التكنولوجيا بين الدول حسب درجة تقدُّمها واستعدادها لاستقبال تلك التكنولوجيا، وهنا نجد أن هناك عدم وجود مساواة بين الدول (حسن أحمد المومني، 2019، ص 18).

العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتعليم..

كما نعلم خلال العقود الأخيرة عملت معظم الدول -خاصة المتقدمة منها- على تزويد المدارس والجامعات بشبكات الأنترنت، كما حلت الحواسيب واللوحات الإلكترونية محل الكتب والمقررات المدرسية، لكن هذا التطور سرعان ما سيصبح من الماضي خاصة مع ظهور ما يسمى بالذكاء الإصطناعي الذي بدأ يدخل في حيثيات حياتنا اليومية، هذا ما سيجعل قطاع التعليم بفضله يعرف عدة تحولات عميقة وغير مسبوقة في هذا القطاع. إذ أنه ستنتقل الفصول الدراسية من الإطار التقليدي الذي يعمل به الآن، إلى إطار عصري سيعرف استخدام الروبوتات والذكاء الإصطناعي المصمم خصيصا لمجال التعليم، والذي سيجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية؛ حيث سيتفرغ الأساتذة للتركيز الأكثر على المتعلمين في المقابل سيتكلف الذكاء الاصطناعي بالأمور الإدارية والمكتبية مثل تصحيح الامتحانات وتقييم الواجبات.

أما بالنسبة للمتعلمين فالذكاء الاصطناعي يجعل العملية التعليمية أكثرا جاذبية وتجعلهم يستمتعون أكثر خلال الحصص وكذلك تحسين درجاتهم ومعدلاتهم، كما أن هذه التقنية يمكن لها تقديم الدعم المطلوب للمتعلمين في المواد الأساسية مثل القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم، عبر مساعد ذكي يفهم نفسية المتعلم وقدراته العقلية ونقاط قوته وضعفه.

أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم

لم يعد الذكاء الاصطناعي زيادة مترفة في مجال التعليم، فقد صار في دول العالم المتقدمة إحدى ركائز التنمية التعليمية، وواحدة من أهم سبل تطوير الموادّ الدراسية، ويعد من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم ما يلي:

  • الأنظمة الرقمية الخاصة بالمدارس بمعنى إقامة شبكات بيانات متداخلة، يمكن عن طريقها إقامة شبكات عصبية كبيرة الحجم، تستطيع توقع مواضع الضعف وكيفية علاجها لدى الطلاب جميعًا، كما تسهم في إدارة المعلومات ومعالجة المشكلات أولًا بأول، ومن أهمها (شركة كلاس إيرا).
  • الإسهام في عمل خوارزميات في إقامة أدوات تعليمية تعمل على إعادة صياغة المناهج التعليمية وبلورتها بما يتناسب مع اهتمام الطلاب، للوصول إلى أقصر الطرق من أجل توصيل موادّ الدراسة. (هاو، 2019)
  • تطوير القدرات الطلابية على التواصل مع الأنظمة الشبيهة بالبشر، مما يعد أكبر محفز لهم ومُعِدّ ومُجَهِّز للتعامل الفوري مع البشر في جميع المواقف اللغوية والاجتماعية، بما يساعد على تعزيز القدرة على التواصل وزيادة المهارات الاجتماعية. (قمورة، 2018)

مميزات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم

  1. تستخدم الترميز غير الرقمي، بمعنى أنه أكثر تعقيدًا من الحواسب العادية التي تعتمد على (واحد وصفر فقط)، مما يعني إمكانية اتخاذه قرارات معقدة، وإمكاناته الهائلة التي يمكن أن يضيفها إلى مجالات الدراسة المختلفة. بالإضافة إلى وجود قدرة لدى برامج الذكاء الصناعي على التوصل لحل المسائل حتى مع عدم اكتمال البيانات، بل إنها تستطيع التعامل مع البيانات المتناقضة والمتضادة أحيانًا.
  2. إلى جانب توفير الوقت والجهد والإسهام في توفير واقع بديل للطلاب، فإنها تعوِّد الطلاب على المواجهة، ومواكبة التكنولوجيا الحديثة.
  3. الذكاء الاصطناعي يستطيع الإسهام في عرض الأسئلة على الطلاب بطريقة تكشف نقاط الضعف لكل طفل، والاستعدادات العقلية لكل طالب، بالإضافة إلى متابعة واستكشاف أساليب المتعلمين.
  4. يساعد الذكاء الاصطناعي الطلاب على حسن اختيار الأسئلة، كما يُعد فضاء كبيرًا وتنفيسًا عنهم، إذ إن التجارب أثبتت أن الطلاب يكونون أكثر قدرة على التحاور بعيدًا عن المدرس. (ليميكس ستيفانيا، 2018)

أنظمة التعليم الذكي

يوضح (KORHAN, 2006) أن أنظمة التعليم الذكية (intelligent tutoring systems)  المعروفة اختصارا بـ ITS  هي أنظمة كمبيوتر مصممة لدعم وتحسين عملية التعلم والتدريس في مجال المعرفة،  وهي تقوم بتوفير دروس فورية دون الحاجة إلى تدخل من مدرس بشري، و تهدف ITS إلى تيسير التعلم بطريقة مجدية وفعالة باستخدام مجموعة متنوعة من تقنيات الحوسبة و الذكاء الاصطناعي.

وحسب تعريف كاتي هافنر (Katie Hafner) فالتعليم الذكي هو نظام يضم برامج تعليمية تحتوي على عنصر الذكاء الاصطناعي حيث يقوم النظام بتتبع أعمال الطلاب وإرشادهم كلما تطلب الأمر وذلك من خلال جمع معلومات عن أداء كل طالب على حدة، كما يمكن أن يبرز نقاط القوة والضعف لدى كل متعلم، وتقديم الدعم اللازم له في الوقت المناسب.

ومن بين هذه الأنظمة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

Bayesian Knowledge Tracing

CIRCSlM-Tutor

ZOSMAT

AutoTutor

 

المراجع

  1. إبراهيم محمد حسن عجام (2018)، الذَّكاء الاصطناعي وانعكاساته على المنظمة عالية الأداء، دراسة استطلاعية في وزارة العلوم، مجلة الإدارة والاقتصاد، السنة 41، العدد 115.
  2. حسن أحمد المومني (2019)، أهمية وأثر الذَّكاء الاصطناعي في مستقبل العمل الشُّرطي: البيانات الكبرى نموذجًا، أوراق عمل المؤتمر السنوي الخامس والعشرين لجمعية المكتبات المتخصصة، فرع الخليج العربي، إنترنت الأشياء: مستقبل مُجتمعات الإنترنت المترابطة، جمعية المكتبات المتخصصة، فرع الخليج العربي، أبو ظبي، جمعية المكتبات المتخصصة، فرع الخليج العربي ودائرة الثقافة والسياحة.
  3. شادي عبد الوهاب، وإبراهيم الغيطاني، وسارة يحيي (2018)، تهديدات الذَّكاء الاصطناعي في السنوات العشر القادمة، العدد 27، اتجاهات الأحداث.
  4. سامية قمورة، وآخرون (2018)، الذكاء الاصطناعي بين الواقع والمأمول – دراسة تقنية وميدانية، على الرابط: https://www.researchgate.net/تاريخ الدخول 28 فبراير 2019.
  5. ليميكس، ستيفانيا. (2018)، مقال بعنوان (تأثير الذكاء الاصطناعي على التدريس وعالم العمل)، على الرابط
    :  https://ecolebranchee.com/limpact-de-lintelligence-artificielle-sur-lenseignement-et-le-monde-du-travail/. تاريخ الدخول 19 مايو 2022.
  6. هاو، كارين، التعليم بالذكاء الاصطناعي، الصين تطلق تجربة كبرى قد تغير من أساليب التعليم في العالم، إم آي تي تكنولوجي ريفيو، مقال على الرابط:  https://technologyreview.ae/ مسترجع بتاريخ 19 مايو 2022.
  7. خديجة لطفي، كيف يستطيع الذكاء الاصطناعي التأثير على التعليم، مقال منشور على موقع: تعليم جديد. على الرابط https://www.new-educ.com/تأثير-الذكاء-الاصطناعي-على-التعليم تم الاسترداد في 19 مايو 2022
  8. Andreas Kaplan; Michael Haenlein (2019). Siri, Siri in my Hand, who’s the Fairest in the Land? On the Interpretations, Illustrations and Implications of Artificial Intelligence, on link https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0007681318301393 at 19 may 2022
  9. KORHAN G¨UNEL ، INTELLIGENT TUTORING SYSTEMS FOR EDUCATION، July 2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

wpChatIcon
wpChatIcon